لماذا القدرات الخارقة والسيطرة على العالم؟
أ.غادة الشامي
أَسهمتْ أفلام الكارتون القديمة مثل: (هايدي، فلونة، مغامرات عدنان)
في تبصير الأطفال بأهميَّة البيئة الاجتماعية، والتعاون، والأُلفة، والعيش
بسعادة وسلام في إمكانات بسيطة، وكيفيَّة تطويع الصِّعاب وتذليلها،
وابتكار حلول للمُشكلات بواقعية وبساطة في تفكير طفولي بريء، والاستفادة من
العالم المحيط بالطفل وعلاقاته، فكانت هايدي مثلاً تركُض مع الخِراف
وترعاها في جبال الألب الطبيعية الخضراء، وإن اعتراها مشكلات خلال رحلتها،
يكن الحل من واقع هذه الحياة، وليس ضربًا خياليًّا، فتَحُل مشكلاتها في
حياة وادِعة وضحكات بريئة ضمن الحياة الطبيعية بكل ثقة ووضوح.
من
يتتبَّع غالبية أفلام الكارتون اليوم لا يَكاد تمرُّ عليه الحلقة الواحدة
دون أن يُبصِر تلك الوحوش التي ليست من عالم الطفل وحياته الطبيعية، التي
لم يألفها ولم يتعايَش معها في حياته، وإن قلنا: إنها من الخيال، فلماذا
هذا الخيال يَتكرَّر ويتكرَّر؟ هل لكي يتقرَّر في ذهن الطفل البريء؟ هل يجب
أن تكون الحياة مليئة بتلك النماذج الوحشيَّة في حياته التي تُصاغ له في
قالب الصداقة والخِدمة؟ حيث يتمُّ تصوير الوحوش بأنها صديقة خَدوم تُدافِع
وتَحلُّ المُشكلات، بالإضافة إلى تلاشي عنصر الوضوح الذي يُميِّز هذه
المسلسلات الكارتونية أو الأفلام فعندما يستعين البطل - إن كان يستحق أن
يُمثِّل البطل - بهذه الوحوش، فهو في الغالب لا يُخبِر أهله، بل ولربما كان
له مخبأ سري في المنزل، أو مُختبَر سري، أو له عملاء سرّيون من البشر أو
الحيوانات أو الوحوش، أسئلة هنا تنتفي منه العلاقة البريئة: لماذا هذا
الغموض؟ لماذا
هذه السريَّة؟ إذا كان ما يقوم به البطل عملاً شريفًا، لماذا يَلُفُّه
الغموض والسرية إذًا؟ لماذا يُخفي كلَّ أسراره عن والديه؟
كل
هذا ونغفُل عن الشر المستطير والبُعد الخطير الذي تهدف من ورائه هذه
الأفلام والمسلسلات الكارتونية التي اُنتزعت منها البراءة والوضوح، ناهيك
عن البذاءة اللُّغوية والنعوت القَبيحة، زِد على ذلك بعض العبارات التي
تتكرَّر كثيرًا بكل وضوح وتُركِّز الحلقات على إقرارها وهي: القدرات
الخارقة، والسيطرة على العالم.
سؤال
يَطفو على السطح ويطرَح نفسه، ما الهدف منها؟ ولماذا هذا الكم الهائل من
هذه الأفلام والمسلسلات الكارتونية التي تُكرِّر هذه العبارات؟ ما هي
الفلسفة المراد نشْرها؟ ما هي القضية المراد طرحها على فِكْر الطِّفل؟
لعلِّي
أرى أنه تمهيد واضح لأمور عقديَّة وفكرية يُراد بها أن تستقرَّ في "العقل
الباطن" للطفل حتى لحظة استدعائها في وقت مناسب؛ فعندما يَكبَر ويَنضج يكون
لديه القَبُول الكافي لمِثْل هذه الفلسفة أو القضيَّة، ويكون عقله تشبَّع
بها، وفِكره ألِفها، فتضمحلّ عنده المناقشة أو الصدُّ والردُّ لمِثْل هذه
القضية أو الفلسفة التي حُسمت من سنوات، واستقرَّت في عقله منذ نعومة
أظفاره.
من
الجدير بالذكر أن هذه المُتتابِعة حدثت منذ وقتٍ قريب لمن سمّى نفسه
(سيلفر) الذي اشتهر على الساحة الإعلامية بتقليد صوت (سيلفر) الشهير في
المسلسل الكارتوني القديم (جزيرة الكنز) بضحكته المُدوية المُميَّزة، ولو
أمعنا النظر في كل مَن تقبَّلوا (سيلفر) وأحبُّوا ذلك المسلسل الكارتوني،
وتعايَشوا معه وردَّدوا (خمسة عشر رجلاً ماتوا مِن أجل صندوق)، هم أنفسهم
الأطفال الصغار الذي يتحلَّقون حوله لكنهم كبروا وعلِقت هذه الشخصية في
عقلهم الباطن، فحينما برزت شخصية تُمثِّل (سيلفر)، وإن كان ليس (سيلفر)
الحقيقي، بل المُقلِّد له، أصبح هناك الكثير من المتابعين والمتقبِّلين
لهذه الشخصية، وإن لم يرَوها، حتى وإن لم يُفصِح عن نفسه وهُويَّته.
في المقابل لنَعُدْ إلى أجيالنا الصغار ونتساءل:
كيف
سيكون وقْع شخصية قد تظهر في زمانهم الآجِل، وهي تَحمل قُدرات خارقة
وتُسيطر على العالم وتستعين بالوحوش - التي هي في حقيقتها الجن والشياطين -
ممَّن ألِفوها في أفلام الكارتون وعلِقت بأذهانهم، ولدَيها من القوى
النارية والمائية والترابية والهوائية؛ بحيث تتحكَّم في الطقس، وتأمُر
السماء بإنزال المطر فتُمطِر، وتأمُر بأن تَنبُت الأرض فتَنبُت، في دعوة
لنشْر الإلحاد وتصوير هذه الشخصيَّة بأنها تَمتلِك القوة العُظمى والقدرة
على إحياء الموتى، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وكل هذا على مرأى من الناس
ومسمَع، وواقع في حياتهم لا في أفلام الكارتون، إذًا هنا يَبرُز لناسؤال
مهم: لمَن كلُّ هذا التمهيد؟
إنه
تمهيد يدمِّر عقيدة الأطفال الصغار وفِكْرهم لقَبُول شخصية المسيح الدجّال
الذي حذَّرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- منه، وأخبر أنه سيأتي ومعه
جنَّة ونار، وأنه أعظم فِتنةٍ على وجه الأرض؛ فيدَّعي الألوهية لما
يُدلِّسه على الناس من أكاذيب وأباطيل وقُوى خارقة يَحكم ويُسيطِر فيها على
العالم – الأرض - لمدة أربعين يومًا؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يَخرج الدَّجال في خفَّة من الدِّين وإدبار
من العلم، وله أربعون يومًا يَسيحها، اليوم منها كسنَة، واليوم كالشهر،
واليوم كالجُمعة، ثم سائر أيامه مثل أيامكم))؛ رواه أحمد والحاكم في
المستدرَك وصحَّحه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق